عن الجحيم

خالد سلمان يكتب عن الجحيم

سألته يوماً: «عابد»، لماذ بربك تستنطق الجحيم.. ويسكنك الأن حزن قبر؟ وإلى أين أنت يا صديقي ماض بصرة وجعك؟
لم يجب.. الآن بعد عدد «الشارع» الفارط.. أستطيع أن أقرأ ومضات المسير على نابض لوح أيامه القادمة.
عابد يحمل صرة وجعه.. ويرحل بها انصالاً إلى القلب، والى الارض سنابل.. إلى جباه المنكسرة أحلامهم منديل حنو، ومواساة قطر ندى.
سيحمل «عابد» صرة وجعه.. لن يرهنها على مفرش القصر.. سُجادة.. والولاءات الصغيرة.. سيمضي صوب «ضحكة أمه.. وكعبة أبيه». كما أخبرني ذات رسالة.. لن يجز عنق ابتسامته في وجوه الناس.. ولكنه لن يستطيع أن ينتزع من موضع القلب خنجراً تسلل وانغرز.. لم أكن أعرف «عابد» الاَّ لماماً.. وربما ذات يوم قسوت عليه برأي.. قبل أن يحين موعد النضج وحصاد أرغفة.. الآن أستطيع أن أدعي.. أنه ظل صورة روحي.. صرختي المفصوصة.. قبضتي التي التوت الى الخلف.. وخطاي التي جثت.. واختارت السير (لبعض الوقت) الي الوراء .. إلى المجهول الضبابي البعيد. الآن أستطيع أن أعلن أن عابد أرادوه ضحية قسوة مفرطة لعبدة الحظيرة.. ولكنه، ليس هو من يلبس جلد الضحية.. ويخلع عن جبينه قبة السماء.
أعلم أن «عابد».. يحارب بماورد القلم.. فيما هُم يطلقون الرصاص.. عليه يدلقون ماء النار.. ويعلنونها حربهم الدنسة الضارية.
وأعلم ان «عابد» ..قد تمرد.. واعلن ثورة الإفاقة من النعش.. ومثله تراجعت من أمامه الخيارات سوى خيار رفض حياة الموتى.. الرُكع الزاحفين.
أعلم أن صديقي «عابد» فولاذ لا ينحني.. وإن قُدر له الإنكسار.. سيتحول مسامير وشظايا إنفجار.. تحرك مياه النهر الراكد.. وترمي في سكون العقل القنبلة.
أعلم فقط الآن ان صديقي.. قد كابد كثيراً.. طويلاً.. واحتمل على كاهل حلمه تكسرات بلاد. الآن فقط أعلم كم صُهر عظمك.. وكيف حطمت مقصلة الباستيل.. وكيف أبحرت من الجحيم الى الضفاف.
الآن فقط اعلم.. كيف وظبت نفسك للشهادة بطلقة وطعنة.. وحنان قمر ملفوف بحجب ضوء «الديار».. الآن فقط، أعلم كيف قبضت على شرف المهنة الشاردة.. وكيف أعدت لحبرك قبلة صلاة الصدق.. حيث خط الجموع الصاعدة.. وكيف قبضت على قدرك وفي قفص الصدر تعايشت مع موتك الكامن.. بلا احتراب. آه يا صديقي! ما كدت اعرفك حتى حملت نعشي ومضيت ألتمس لرأسي.. حجراً في زقاق.. لحدبة ظهري جذع حديقة جرداء.. ألتمس نفساً وخيط أمل مُطارداً.
آه يا صديقي! ما كدت تستوي قيصراً في البلاط.. حتى أحرقت أنا الأشرعة.. اغلقت الطريق.
«عطَّفتُ» انطلاقة الروح.. واسكنتها تقصفات يابس ارض.. قايضت الفضاء بخرم إبرة آه ياصديقي.. لقد استويت رويداً.. رويداً للمُلك.. إنتزعت خلاصك.. ورضت بفرحة الضوء صوب البعيد.. البعيد.
الآن لقد عرفت يا صديقي الطريق.. و لم يعُد يداهمنا ذات السؤال: عابد، لماذا بربك تستنطق الجحيم ويسكنك الآن حزن قبر؟ الى أين أنت ماضٍ بصرة وجعك؟
[email protected]