كوتا سي السيد

كوتا سي السيد - إلهام الوجيه

كوني امرأة (اللهم لا شماتة ولا استخفاف) لا بد وأن أتحدث قليلا عنا نحن النساء. وإن كان الحديث عنا هو الموضوع الأكثر ثراء على مر العصور، إلا أن الواجب يحتم عليّ أن أدلي بدلوي، لا لأغترف ولكن لأسكب ما فيه.
 ولأنني امرأة، وأنتمي إلى حيث أصبحت الديمقراطية شعارا والحرية شعارا والـ"كوتا" شعارا، وليس لنا من كل ذلك سوى الشعير؛ أحببت أن أسجل رفضي لهذه الـ"كوتا" التي لا تظهر أمامي إلا كما يظهر "سي السيد" المصري أو "أبو العيالـ" في مجتمعنا اليمني، وهو ممسك تلك الـ"كوتا" بيديه يمنعها ويمنحها وقتما يشاء وبالقدر الذي يريد؛ فهو الآمر والناهي والقادر والعالم والأول والأخير...! مهلا، قبل أن يتسرع أحدكم أو إحداكن بإطلاق النار عليّ والأحكام جزافا وإمطاري بصفات الظلامية والتخلف ومعاداة المرأة ونزع حقوقها، وربما قد يتهمني البعض بالسامية كاتهام يليق بالجميع وبكل المناسبات دون استثناء... وأطلب من الجميع إعطائي فرصة لقول ما أفكر به وبصفتي الرسمية (اسمي الخاص) وبصفتي النوعية (كأنثى – وبلا فخر).
 لا يختلف اثنان، وقد أكون مبالغة في "اثنان" هذه لأعود فأقول: لا تختلف الأحزاب، بما فيها الحزب الحاكم والمجتمع المدني، وإن كان ذلك ظاهريا، على أن المرأة في ظل مجتمعاتنا المتوجة بتاج الجهل الحديدي الصدئ، ليست سوى مجاهدة ومحاربة ومناضلة نضالا وطنيا اجتماعيا وسياسيا كبيرا، لأجل حصولها على حقوقها، وأؤكد على "حقوقها" التي هضمت باستمرار تحت مسمى المحافظة عليها حينا وتحت مسمى إطلاق حريتها حينا آخر. لترفع وبجدية كل النساء الناشطات والمثقفات شعار المساواة، الذي أخاف هو أيضا أن يتحول إلى شعير بفضل المزايدين –من الرجال والنساء– باسمه. والـ"كوتا" بنظري هي إحدى تلك المغالطات التي تنسب إلى المساواة وهي في الحقيقة تقتلها في الصميم، متوارية تحت مسميات عديدة، أهمها أخذ الحقوق بينما نحن نعلم تماما أن الحقوق والحريات لا تمنح ولكن تؤخذ وبقوة دون شكر أو امتنان.
يجب أن نتفق نحن النساء أولا، ولا دخل للرجال هنا بما أقول! أن نتفق على أن عدم إعطاء الـ"كوتا" لا يعني بالضرورة الحجْر وحبس المرأة داخل منزلها لتجيد الطبخ والطبيخ لا أكثر، ولكنه يعني، وهذه ميزة الـ"كوتا" الوحيدة لديّ، أنها تظهر النوايا الخفية وتظهر الوجوه المقنعة بالتسامح والتفهم وبالليبرالية والتقدمية... ومنع تلك الـ"كوتا" ممن يمنحونها أو تحديد حجمها وكيفيتها، ما هو إلا تأكيد على أن أي فوز عن طريق الـ"كوتا" هو مغالطة لقيم الجدارة والاستحقاق، كما أن نتائجها لا تحصدها سوى واجهات نسائية لا تعني من بعيد أو من قريب النساء كافة، خاصة وأن غالبية النساء لا يهمها من قريب أو بعيد ما ينادي به البعض خالقا فجوة تتسع ولا تضيق يوما وراء الآخر بينهن وبعضهن. "بعض النساء بل غالبيتهن حتى اليوم تتحدث عن نفسها وعن إمكاناتها البيولوجية والسيكولوجية، كما حللها الرجال أنفسهم، وتعيب على المطالبات بحقوقهن الخروج من المنزل والتشبه بالرجال وترك المنزل والأبناء للضياع!". لست أرى بإعطاء النساء امتيازات ونسبا ومقاعد سوى حفرة أخرى ستقع فيها المرأة لتجعل مشاركتها السياسية والاجتماعية ضمن نطاق أضيق مما لو تزعمت الإرادة والقوة لكسب ما تراه حقا خالصا لها. كما أنها ستلغي روح التنافس الذي يعزز الثقة بالنفس وبقدراتها اللامحدودة. وقد يتساءل البعض عن جو هذه المنافسة غير العادلة في وجود أو بالأصح في عدم وجود وعي لدى المجتمع بدور المرأة ونديتها للرجل واحترامه لها في أبسط الحالات. وهذا يدفعني لأن أؤكد أن المراهنة على وعي لا يوجد هي مضيعه للوقت، لذا وجب على النساء الحاضرات وبقوة على الساحة، قبل المراهنة على ذلك الوعي الغائب، بناؤه مجددا من خلال المنافسة والتناغم والاقتراب من هموم الناس والبحث جديا عن طرق ولو طويلة الأمد لتغيير ذلك الإدراك المسبق الذي لا يعني أبدا الحقيقة حول المرأة. كما أن المجالس المحلية والمقاعد البرلمانية والتي تأتي عن طريق الانتخاب ليست أبدا ملكا لأحد أو مجرد عطايا ومنح تقدم هنا أو هناك بطريقة غير ديمقراطية أبدا باسم الدفاع عن الحرية والديمقراطية والمساواة. إنه لمن المهين أن تبني المرأة نجاحها على ما يقدم كفتات لولائم القسمة بين الكبار، ولو ادعت أن هدفها أسمى من ذلك بكثير، ذلك أن الأساس الخاطئ يظل كذلك ولن يكون سوى سبب في انهيار ما قد يبنى ارتكازا عليه، وهذا يعني تسليط الضوء وتكاتف النساء وجميع من يؤمنون بمطالبهن العادلة حول كفاءات نسائية قادرة وفعالة تخذلها أحزابها وتهمشها بحثا عن أوراق رجالية صرفة بتمييز عنصري بغيض يعود بنا إلى ما سبق الحديث عنه وهو بناء الوعي الحقيقي لدى الجميع بمن فيهم أولئك المتظاهرون التحرريون الكاذبون حول أهمية المرأة وأهمية وجودها وتفعيل دورها بيدها هي أولا ثم بمساعدة من قد يقتنع بوجودها عن جدارة واستحقاق.
قال لي أحدهم مطالبا هو الآخر: "نريد كوتا للشبابـ" في وجود دولة بأكملها لا تختارك إلا إن كنت قد تجاوزت الأربعين عاما. يسمون ذلك خبرة، وأسميه، مع ذلك الشاب، قلة إدراك لمعنى الشباب وحيويته. لم أستطع الرد على ذلك الشاب سوى بدعمي له إن كان يريد الـ"كوتا" عن طريق المطالبة بها ودعمي له أكثر إن نافس بحرية وبشرف ونزاهة لأجل الحصول على ما يستحقه فعلا.
والنساء من وراء القصد...