جمهورية الصالح

هذه السطور مجرد أسئلة تطرحها "مواطنة مغتربة"! من أين جئت بـ"مواطَنة؟ لم أجئ بها والله، ولم تزل حلماً. والتعبير على هذا النحو ليس من قبيل التناقض الوجداني ولا يتجاوز الإنساني ولا حتى لغويا: المواطنة والاغتراب.. ضدان لا يمكن الجمع بينهما ولا عبر أعتى المجازاااات.. لكنه السؤال نفسه: كيف يجتمع لهذه البلاد أن تكون جمهورية ومملوكة في آن..!
قبل سنوات، أُعلن، على استحياء: جامع بكلفة بااااهظة قدرت بخمسين مليون دولار.. في مرحلة باكرة تجاوز هذا المبلغ نفسه لمرات.. ولا يزال.. ولا أحد يعلم متى سيتوقف سبق الاستنزاف هذا..! في المرحلة الباكرة تلك، ظهر؛ ومن داخل البيت الحاكم من يفتي أن الصلاة داخل هذا الجامع ستكون حراما لأنها ستكون وقوفا على عرق الناس وقوتهم.. ما علينا..!
كان يكفي أن تمر قبالة الجامع (الذي لا يزال قيد البناء) لتعرف أنه الساقية التي فتحت لتجرية نزيف الناس، ويستشفع لغطرسته هذه بأنه جامع..! بيت الله..! ومع ذلك ستجد لوحة تقرر أنه جامع الصالح.. بعد جولة أو جولتين ستكون اللوحة: جامع الرئيس الصالح.. باستدارة قصيرة تكون اللوحة جامع الصالح..! عرفنا أنه جامع! وأنه لصالح.. وهل يقوى على مثل هذا البنيان إلا رجل مساحة بيته تعد بالكيلومترات.. وتجمع بين أمانة العاصمة وبين المحافظة بعديد مديريات (سؤال: ألستم معي أنه، كلما اتسعت مسافاااات بيت الحاكم دلت بالمقابل على مساحة خوفه؟ لكنه خوف ما، غير خوف أن يقتل مثلا..! لاحظوا؛ إنها المسافة التي تمتد باتجاه موطنه الأصلي سنحان).. دعونا في الجامع.. في الإصرار على نسب الجامع!! فهل المقصود من هذا البنيان: الجامع؟ أم الصالح..؟ فإذن هو مبنى لا يذكر فيه اسم الله بل اسم الفقير إلى الله وسيكون بعد عمر طويل الـ"صالح"..
أغلى "ألـ" تعريف في العالم..! تكلفة بهيظة.. تلك التي تتكلفها البلدان في انتقال رئيسها من "صالح" إلى "الصالح".. هذا كله والرئيس من قبيلة وجيهة.. لا يفتأ يفخر بها.. كيف لو كان من فصيلة ال…مهمشين..!
بعدها وبلا استحياء أُعلنت مؤسسة "الصالح".. ومؤسسة "رئيس الجمهورية" ثم توالت الإعلانات التي من هذا القبيل آخرها جامعة الصالح.. كل هذا في غضون سنوات..
السنوات الأخيرة شهدت ركضا هائلا من قبل هذا الرجل إلى "اسمه" بعد ثلاثة عقود من الحكم أدرك الرجل أنه لم يخلف شيئا يخلد اسمه.. ركض مبرر ومعذور لكن على حساب من؟ مشكلة هذا الرجل أنه لم ينجز..! لم يترك منجزا يشير إليه..! لكنه يعالج المشكلة بالمزيد من التوسع فيها..
هل ينجز عندما يتجاوز حيزه "رئيس جمهورية" معلنا التوسع ليشغل الحيز الذي هو من حق المجتمع المدني..! بمؤسسات لا تصلح إلا لمن هم خارج السلطتين: التشريعية والتنفيذية، هؤلاء الحكوميين لهم، فقط، حق التخطيط والبرمجة ثم المتابعة والمحاسبة فإذا ما امتلكوا، كذلك، المؤسسات محل المعالجة أصبحت المسألة لا أكثر من مصادرة للصالح العام وشخصنته وامتلاكه..
مؤسسة الصالح وأخواتها كلها مؤسسات مجتمع مدني. (سؤال: هل جامع الصالح مؤسسة حكومية؟) السؤال: هل يكفي أنه من مال الناس كي يكون مؤسسة حكومية؟ على هذا النحو ستكون مؤسسااات الصالح كلها حكومية..! (ما هي الفاصلة بين الأموال العامة وأموال ال صالح) لا فيصل إلا في ما يقرره هو، وقد قرر أنها مؤسسات مجتمع مدني..! وهذه مساحةٌ، وتوسع أبعد في المشكلة.. إن هذه المؤسسات لا تمتص أموال البلاد والعباد، وحسب، إنها كذلك تتحدب، وتتبأر، وتصبح أسفنجة هائلة، تمتص المشروعات، المعونات، والمنح الدولية، التي كان لها أن تتوجه لمؤسسات تعلن نفسها غير ربحية ويديرها متخصصون، من حقهم أن يجعلوا من أسمائهم علما لكن بكثير من الكد..!
الرئيس يزاحم "المتقوتين" من رجالات ونساء المجتمع المدني بمؤسسات مثيلة، لن تلبث أن تكون بديلة، لما يمكن لها أن تجتذبه من النفاق الإعلامي والدولي.. وليت المشكلة تقف عند هذا الحد..!
ياريس..! المؤسسات التي من هذا القبيل تنشأ تلقائيا في المجتمعات الطبيعية، كلما شعر المجتمع المدني أن ثمة حاجة عجزت الحكومة عن تلبيتها فإنه يسعى لتحقيق هذه الحاجة عبر منشأة ما يعلنها تعاونية غير ربحية، وعلى الحكومة أن تراقب وتتابع هذا الإعلان وتحاسبه، إذا تجاوز أهداف مؤسسته المعلنة ليحقق مصالح شخصية.. بتعبير آخر: إنه تطوع مدني لحل مشكلة عجز حكومة.. مثل هذه الحلول إذا "سبق" إليها رئيس جمهورية تصبح مشكلات: فأولا هو يعطل مبادرات المجتمع المدني، ثانيا هو يقيض دور المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، أليست "مؤسسة رئيس الجمهورية" تقوم حسب منطوق إعلانها بالدور المناط بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل..؟ أليس أحرى بالمال العام أن يذهب للناس عبر هذه الوزارة؟ ألم يكن من حق الناس الذين تستهدفهم هذه المؤسسة "الصالحية" بوصفهم فقراء ومحتاجين ومتسولين وأيتاما ومعزولين.. والخ.. ألم يكن من حق هؤلاء أن تلبي حاجاتهم وزارة متخصصة فيتحقق للواحد منهم أن يكون مواطنا كريما ينال استحقاقه الاجتماعي في المعاش والتأمين والكرامة؟ مثله مثل أي مواطن في العالم..!
رئيس الجمهورية يتبرع لمؤسسة رئيس الجمهورية!! عماذا نسأل الآن..؟ هل: ثبت له الخلل في قدرة أو حتى أمانة جهازه الحاكم في إدارتها لأموال الصالح العام فذهب بتلك الأموال لتغطي الصالح العام عبر مؤسسة مجتمع مدني؟ مرة أخرى: هل لم يجد مؤسسة مجتمع مدني في الخمسة آلاف منظمة مدنية معلنة، جديرة، ومؤتمنة.. فأعلن (نفسه) مؤسسة جديرة بتبرعه كرئيس جمهورية..؟ هل هو المؤتمن الوحيد..؟ السؤال هنا، ليس عن الأمانة.. إلى أي حد هو أمين..! بل عن الإدارة.. إلى هذا الحد أُشهر إفلاس البلاد؛ مؤسسات حكومية، ومدنية، ومواطناتية، وجماهيرية.. حتى على صعيد المعارضة.. لم يكن حزب واحد يقنعه، يقتنع باستحقاقه في الدور: معارضة.. حتى المعارضة تقرر أن تكون من حق الرئيس.. وهل التراشق الإعلامي داخل حزبه الحاكم أكثر من تحقيق لهذا القرار..!
سؤال أخير
ما هو الفرق بين الاستعمار والاستغلال؟ الأول يزرع شجرة.. والآخر ينزعها..! في وقت تعالت فيه الصرخات لحل مشكلة جامعة صنعاء التي تحولت إلى "دكان" بأسعار نارية.. يعلن الرئيس عن عزمه انشاء جامعة الصالح..! كأنما العلاقة بينه وبين هذه البلاد بمنشآتها، وقوانينها، وسكانها، وحاجاتهم، كل ذلك ليس أكثر من مجرد علاقة "غلة".
هل يتوجب على هذه البلاد أن تخفي جروحها، عن الرئيس تحديدا؟ لأنه كلما جرحٌ صاح: قيح..! كلما ذهب الرجل ليصطاد فيه سمكة، يتم بها مليار السنة، يضيفها إلى رصيده، الذي يقال أنه قارب الثلاثين مليار دولار..!
سؤال أول
الإعلان الذي يثير الريبة ويدفع بالخوف إلى أقصاه إزاء الأوضاع الدائرة في الجنوب: هو عن عودة خدمة الدفاع.. أوالتجنيد الإجباري للشباب.. جيش طري يذود عن جيش عتيد لم تكد تحل مشكلاته في صعدة.. سمكة ماذا هذه؟