خارطة ملتهبة وخارجة عن السيطرة

خارطة ملتهبة وخارجة عن السيطرة - أحمد الزرقة

نظرة للخارطة اليمنية كفيلة بأن تجعل المرء يمسك بكلتا يديه على قلبه، ويحدق بعينين مدهوشتين وفاه فاغر، ما الذي أصاب اليمنيين؟ كيف انفلت عقال الأمور فيها؟ ألم تكن الحكمة يمانية؟
في محافظة صعدة أقصى شمال اليمن، هناك برميل بارود في حالة سكون مرشح للانفجار بقوة مرة أخرى في أية لحظة، فاتفاق وقف إطلاق النار أكثر هشاشة من بيوت العنكبوت.
ولا يوجد ما يجعل الطرفين في استعداد لوقف التخندق سوى بقايا مبادرة قطرية أعلنت ذات يوم وتم تأجيلها من القطريين الى ما بعد رمضان، بعد اكتشافهم عدم جدوى وجودهم في صعدة سوى أنهم ضحايا لابتزاز من طرفي الحرب وأنهم في "حيص بيص".
إني لأعجب كيف ينام صانع القرار قرير العين على مشكلة معلقة دونما البحث عن حلول أكثر نجاعة.
- ما زالت القوات الحكومية تحاصر وتحارب في محافظة حجة في مديرية وشحة مجموعة من مقاتلي المنطقة الذين ناصروا الحوثي، هل من المعقول تجزئة الحلول؟
- وفي بقية اليمن هناك غليان غير مبرر وتداخل في المشاكل وأمزجة الناس، ففي حين قادت جمعيات المتقاعدين أعضاءها لتحقيق مطالبهم المشروعة في جانب الحقوق المالية وإعادة من تم إقصاؤهم للخدمة. وقد نجحت تلك الاحتجاجات السلمية في انتزاع حقوقهم واعتراف الدولة وعلى رأسها الرئيس علي عبد الله صالح بأن هناك مشكلة، ومن ثم بدأت الحكومة في تنفيذ المعالجات التي تكفل إعادة الحق لأصحابه.. تلك الاحتجاجات والتنسيقات التي أدارها المتقاعدون على مستوى عال من الدقة والتخطيط والفعالية أثارت إعجاب الكثير على الساحة اليمنية، ودعت أحزاب المشترك لاستغلال تلك الظاهرة والنزول للشارع مما سبب خلطا للأوراق السياسية، ونتيجة لذلك الخلط تداخلت الصورة العامة، وارتفعت بعض الأصوات التي شدها نجاح الموجة الاولى من المطالب، لترفع خطابا مأزوما يتساوى مع الفعل الإقصائي الذي تعرضوا له وناضلوا من أجل التخلص منه.
ذلك الخطاب أفقد الفعل النضالي قيمته وحمل كثيرا من التجريح بقصد إلحاق اكبر قدر من الإيذاء النفسي لعدد كبير من اليمنيين، وتحولت القضية من صراع حقوقي نتقبله جميعا ونقف معه ونسانده إلى صراع سياسي بالضرورة لا نتفق معه، ووجدت فيه بعض الشخصيات السياسية فرصة للعودة لدائرة الضوء ومحاولة لجر البلاد الى مفترق طرق، وطرح أفكار ورؤى غير قابلة للتنفيذ واعتبار الوحدة اليمنية خاصة بالرئيس صالح والمؤتمر الشعبي العام، متناسين أن الوحدة هي فعل وحدث أكبر من أن يوصف أو يلحق بشخص او حزب، وهم بذلك الطرح ينتقصون من الوحدة كفعل استثنائي وإنجاز إنساني قد يكون الوحيد لمجموع اليمنيين خلال تاريخهم المعاصر الذي يجب عليهم حمايته باعتباره مكسباً جماعياً، يجب أن نناضل للحفاظ عليه ونعمل معاً لإزالة الشوائب التي علقت به كنتاج مرضي لصراعات السياسيين.
- من حق جموع اليمنيين الخروج للشارع والتظاهر والاحتجاج السلمي كحق إنساني قبل أن يكون دستورياً، لكن دونما حمل سلاح أو إثارة الكراهية والعداء، ويجب على الدولة أن تحمي تلك المسيرات طالما التزمت بالتعبير السلمي، والتعامل بقوة مفرطة ضد المحتجين يتناقض ومبادئ الحقوق الاساسية المكفولة دستوريا وإنسانيا ودوليا.
التظاهر والاحتجاج قد يكون وسيلة للفت انتباه الحكومة لوجود خلل ما، ولن يخرج الناس للتظاهر من باب الترف، فلو أن هناك أداء حكومياً وتشريعياً ومحلياً جيداً يستجيب لاحتياجات الناس لن يخرج الناس في مظاهرة أو مسيرة، الغلاء الفاحش أخرج الناس للتظاهر: حلوا مشكلة الغلاء وسيطروا على الأسعار.. حينها ستكتشفون كم هو هذا الشعب طيب (عرطة).
الفساد والسطو على الأراضي وتنامي نفوذ المتنفذين وارتفاع نسبة البطالة عوامل أخرجت الناس للشارع، وليس المشترك كما يقول "قحطان أو الصبري"، فالفقر كافر كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
الامور ليست تمام والدنيا ليست "بمبي" كما يحاول البعض تصويرها. هناك مشكلة تمر بها اليمن، وهناك حكومة غير قادرة نهائيا على الأداء الجيد وهي لاتملك حلولا مع أن هذا هو عمل الحكومات أن تقدم حلولا.. ولن تخرج البلد من أزمتها إلا بالعمل الجاد على محاربة الفساد والفاسدين والتعامل وفقا لمبدأ الشفافية والمحاسبة، وليس عن طريق تشكيل اللجان حتى ليخيل لي أننا في بلد اللجان الشعبية ولسنا في اليمن.
- تلك اللجان لا مكان لها في الإعراب دستوريا أو قانونيا ولن تصلح ما لم تستطعه المؤسسات التي لها صلاحية، وهناك قاعدة تقول "إذا أردت إفشال أي مشروع فشكل له لجنة" إلا اذا كان الرئيس مقتنعاً بجدوي تلك اللجان فلماذا لا يتم إحلالها مكان الحكومة اليمنية وإلا فلا داعي للضحك على الذقون وخلق وسيلة لاستقطاب المعارضين وتوفير أماكن للموالين في تلك اللجان لان المناصب الحكومية لم تعد تتسع والكعكعة اصغر من ان يتم تقاسمها.
- "اللقاء المشترك نزل الشارع وهذه ليست سوى بروفة"؛ بلغة نارية يتحدث زعماء المعارضة، ذلك الخطاب لا يختلف في حدته وقسوته عن الخطاب الخارج من أروقة الحزب الحاكم، ليس مكسبا أن تزايد المعارضة على الشارع اليمني المسكون برغيف العيش، ومعروف أن المعارضة ستتخلى عن الشارع في أقرب لفة، ألم يخرج الشارع في يوليو 2005م وقتل منهم عدد كبير وتم اعتقال العشرات؟ ماذا قدمت المعارضة لأولئك الضحايا؟ فلتحمد المعارضة الله لأننا شعب بلا ذاكرة، وفعلا "في اليمن لايوجد ما هو أسوأ من السلطة سوى المعارضة".
- قانون حماية الوحدة لا علاقة له بالوحدة أصلا، والوحدة ستكون محمية بالممارسات السياسية التي تكفل حقوق الناس، ومشاركتهم في الحياة، ونحن بحاجة للتفكير بجدية في تجريم كل ما من شأنه إثارة الكراهية والحقد وبث العداوات. فالألفاظ العنصرية التي يكون غايتها التقليل من شأن الآخر واحتقاره أشد خطرا من تلك الدعاوى التي قد يرفعها من يدعو للانفصال لأن تلك الدعوة قد تحسم سياسيا، لكن الإقصاء والتحقير والسب من شأنه القضاء نفسيا على مشاعر الوحدة. فاليمني يجب ان يعامل باحترام بغض النظر عن انتمائه الجغرافي، ولا اعتقد ان من مصلحة اي طرف تغذية تلك الدعوات العنصرية والطائفية والمناطقية.
والله من وراء القصد.
 alzorqa