مواطنو «ذباب» وزنازين اللواء 105 مشاة

مواطنو «ذباب» وزنازين اللواء 105 مشاة - رشاد علي الشرعبي

القوات المسلحة نؤمن أنها مؤسسة الوطن الكبرى والمخولة بالدفاع عن الوطن في وجه العدو الخارجي أياً كانت هويته وللحفاظ على النظام الجمهوري ومنع أي انقلاب عليه أو على الدستور والشرعية الممنوحة للحاكم من الشعب, لتبقى مهمة أجهزة الأمن تتعلق بأمن واستقرار المواطنين وحماية ممتلكاتهم والأداة الوحيدة لتنفيذ نصوص القوانين على المخالفين لها وأوامر أجهزة القضاء.
 وبغض النظر عن المخالفات والانتهاكات التي تمارس من أجهزة الأمن ونرفضها ونطالب بمحاسبة مرتكبيها, لكنها تظل أجهزة ضبط قضائي تمارس واجبها لتتجاوزه إلى الانتهاكات. وتبقى المشكلة في التداخل بين الجيش والأمن إلى درجة أن قيادات عسكرية تدعمهم مناصبهم ووظائفهم في وحدات الجيش المختلفة ليمارسوا مهام الأمن والقضاء والتربية والتعليم وربما الصحة ومصلحة الأراضي ووزارة الإعلام.
 ولأن الوطن وزع على هيئة "كانتونات" ومقاطعات لقيادات عسكرية ومحاور ومناطق ونافذين ومشائخ، فليس غريباً أن تسمع عن قوات تابعة للجيش تجوب العاصمة صنعاء وتخوض نزاعات مسلحة على الأراضي وغيرها، وتضع نقاط تفتيش في الطرق بين المحافظات والمدن، وتعتقل المواطنين في قضايا أمنية ويشارك منتسبوها أفراداً وضباطاً وصف وقيادات، في الأطر التنظيمية للمؤتمر الشعبي الحاكم، ويكونون أدوات حاسمة في المواجهات الانتخابية والسياسية السلمية، وطبعاً لصالح المؤتمر.
ولم تقف الانتهاكات العسكرية عند منتسبيها، تارة كعقوبات وأخرى كاعتقالات, بل يتم تجاوز ذلك إلى المواطنين حيث يتم احتجازهم في الزنازين ذات السمعة السيئة رغم أنها لا تمتلك صلاحيات الضبط القضائي ولا تطولها أعين وسلطات أجهزة القضاء والنيابة أو أي رقابة من أي نوع وفي مقدمتها البرلمانية والحقوقية.
ففي مديرية "ذبابـ" بمحافظة تعز المحاذية لمضيق باب المندب الاستراتيجي نجد نموذجاً صارخاً للانتهاكات العسكرية التي تلحق بالمواطنين وتجعلهم "خارج نطاق تغطية" القوانين والقضاء وكل الاتفاقيات الحقوقية الملتزمة بها دولتنا وحكوماتها المتعاقبة.
 فمعسكر اللواء 105 مشاة يقوم في "ذبابـ" مقام الأمن والقضاء وأجهزة الدولة المدنية المختلفة بالإضافة إلى الحزب الحاكم, وزنزانته الواقعة على قمة جبل منطقة المنصورة الأثرية والمطل على شواطئ البحر الأحمر، من يُقاد ويجرجر إليها لا يعود إلا بعد أشهر من الظلم والمعاناة وربما التعذيب ودفع (الإتاوة) المقررة، وكلما عجل في الدفع كان عدد الأيام التي سيقضيها محتجزاً قليلة. ولم تسلم قوارب الصيادين من الإحراق والمصادرة بتهم يوجهها قادة ومنتسبو المعسكر عندما لا يتجاوب معهم المواطن بدفع "حق القات" ليفرض العقاب من القادة ذاتهم أضعافاً مضاعفة، سجناً ومالاً.
في زيارتي الأخيرة لمدينة تعز استمعت لأنين بعض الضحايا وشكاواهم الموثقة التي تكشف أن الكثير من المواطنين - وليس الصيادين فقط - يحتجزون لمدد يصل بعضها إلى العام وتمنع عنهم زيارة الأهل والأقارب والبعض لا تعلم أسرهم باحتجازهم إلا بعد أسابيع وأشهر عبر آخرين (دفعوا) وأفرج عنهم, والعملية تتم بسهولة، إما عبر منتسبي المعسكر مباشرةً وإما بعد اعتقالهم من قبل منتسبي الأمن ليسلموا للمعسكر رغم وجود إدارة أمن وحجز ونيابة ومحكمة. وفي حالة متابعة أقارب السجين للنيابة تتبرأ الأخيرة من المسؤولية بحجة أن لا سلطة لها على المعسكر, وأن النيابة العسكرية صاحبة الصلاحية والسلطة لتوصد أمام المتابعين الحلول بسبب لامبالاة النيابة العسكرية وعدم تفاعلها مع الشاكين تماماً, ليبقى الأمر بيد القادة العسكريين الذين يمارسون دور الخاطف والنيابة والقضاء فيعتقلون ويوجهون التهم ويقررون العقاب وينفذون ويستلمون أيضاً وهو الأهم.
وحسب من سمعتهم من الضحايا فإن زنازين المعسكر متخمة بالقيود التي تستقبل أي زائر جديد حتى يغادرها وممنوع الوصول إليها لغير أفراد الموقع العسكري الذي هو بالأساس موقع أثري استخدمت بعض مكوناته كسجن بعيد جداً عن الأعين, ويوضع السجناء في زنازين حفرت في أرضيته، والبعض منهم يتعرضون للاعتداءات الجسدية ويعيشون على فتات موائد الجنود المرابطين التي هي في الأساس فتات موائد قيادات الجيش ومسؤولي الدولة.
والأمر ليس مقتصراً على مواطني ذباب أو معسكر اللواء 105 مشاة فهو متوفر بكثافة في كل أرجاء الوطن, ما يدفعنا للتساؤل عما إذا كانت مؤسستنا الوطنية (الجيش) قد انحرفت عن مهمتها وواجبها بفعل السياسات الفاشلة الهادفة فقط للحفاظ على كرسي الحاكم, ما شغلها عن القيام بواجبها في منع تحصينات متمردي صعدة أو إيقافهم, وحرمها من إتاحة الفرصة لأجهزة الأمن لممارسة مهمتها ومنع تفجير مأرب, وعرقلة القضاء عن القيام بدوره في إقامة العدل ومعاقبة المخالفين لنصوص الدستور والقانون, وحتى مصادرة حق الناخبين وحرمان المواطن من حقه في أن يختار من يمثله في السلطة التشريعية والمجالس المحلية بحرية, وتفرغت لأداء مهمة أخرى لتتحول إلى أداة لجبايته وابتزازه وانتهاك حريته وسلبه حقوقه.
 لذلك ندعو كل ناشطي الحقوق والحريات للكشف والإبلاغ عن حالات التجاوزات والانتهاكات التي يقوم بها منتسبو الجيش وخاصة حالات الاحتجاز والاعتداء على المواطنين، لتتحول قضية مواطني "ذبابـ" إلى بداية حملة منظمة إعلامياً وقضائياً وسياسياً وبرلمانياً للحد من هذه التجاوزات والانتهاكات وإعادة مسار مؤسستنا الوطنية التي نفخر بها إلى مسارها الصحيح المحدد في نصوص الدستور والقوانين النافذة بما فيها قانون الخدمة العسكرية.
reshadaliMail