الوضع الصحي في اليمن.. إنجازات غير مرئية وتحديات تزداد كل يوم

الوضع الصحي في اليمن.. إنجازات غير مرئية وتحديات تزداد كل يوم - إلهام الوجيه

250 مليون مواطن أمريكي يمتلكون تأمينات صحية و50 مليون مواطن لا يمتلكون أي تأمين لصحتهم!! بالمقابل هناك بلدان بأكملها لا تأبه لمثل هذه الرفاهية، فمسألة الحياة والموت رهن بقدر مكتوب, وقدرة لرب السماء في أخذ الأرواح متى ما شاء! وليس بيد البشر مقاومة ما سيحدث أن عاجلا أو آجلا!
صنع المخرج الأمريكي مايكل مور، فلمه الوثائقي عن الصحة والتأمينات الصحية متحديا الحكومة الأمريكية، معلنا بشاعة خصخصة الدواء وامتهان الآلام وجعلها وسيلة لثراء البعض الفاحش, على حساب حياة الناس وأرواحهم، مشككا في التأمين الذي يحصل عليه المائتان وخمسون مليون مواطن أمريكي، وبجودة هذا التأمين ومصداقيته، ومطالبا بقوة الالتفات لخمسين مليون مواطن آخر لا يمتلكون حق المعالجة والدواء, مستغربا كونه يحيا في دولة تدعي السيطرة على العالم وتتزعم حقوق الإنسان وأهمها حقه في حياة خالية من الأمراض. كان ذلك الحديث عن الولايات المتحدة التي تبعد عن اليمن الكثير، مسافة وتقدما. لذا من الأفضل للجميع ربط الأحزمة حتى أعود بكم إلى الوطن دون أن تصابوا بنوع من الاكتئاب أو ارتجاج في المخ بسبب المقارنات الشاسعة.
وبما أننا عدنا إلى أرض السعيدة التي لا تحكم العالم بل تُحكم من قائد أطال الله عمره، وحكومات متعاقبة لا تحدث أثرا يذكر. كما أننا من بلد يتشابه مع ذلك البعيد الآخر بأننا نهتم مثله تماما بحقوق الإنسان! ولدينا وزارة لهذا الشأن، وبالتالي فالإنسان اليمني هو على قائمة الأولويات وصحته أحد أهم ما يجب الاهتمام به والعمل لأجله.
وبمناسبة عودتنا هذه يحلو لي أن أقدم لكم معلومات خاصة بالوضع الصحي في اليمن على لسان وزير الصحة، عبد الكريم، راصع في إحدى مقابلاته الصحفية بعد أن قدم حديثه بإحدى المقدمتين الشائعتين: الصلاة على رسول الله, والثانية هي ما فضل أن يبدأ به حديثه بطريقة الإشادة بالنقلة الكبيرة لثورتي اليمن والتي على الجانب الصحي نقلت اليمن نقلة نوعية وفريدة يستحيل معها المقارنة بين ما كان وما يكون وما سيكون مستقبلا!
فبلادنا تمتلك 282 مستشفى! و288 مركزا! و4250 وحدة صحية! يعمل فيها 16 ألف طبيب وممرض ممرضة, و10 كليات طب وأسنان وصيدلة! كما أن خططهم المستقبلية تهدف إلى إنشاء هيئة عامة للتأمين الصحي كخطوة لتوفير الخدمات الطبية والحد من العلاج في الخارج!
وهنا أطرح سؤالي: متى نطلق على المستشفى أو المركز أو الوحدة تلك الأسماء؟ بالتأكيد بناء على مواصفات ومقاييس محددة نكاد نحن اليمنيين لا نشعر بالفرق بينها، وأننا نستطيع أن نطلق على كل ذلك مستشفيات أو وحدات أو مراكز. أين هو الاختلاف؟ وأين هي الخصوصية لكل واحدة منها؟ وما مدى إمكانياتها جميعا؟ كما أن عدد الأطباء لا يلغي السمعة السيئة التي صارت لصيقة بالطبيب اليمني بناء على تجارب وحكايات ووقائع وليس تجنيا إطلاقا؛ ليس لسوء الطبيب اليمني أو لبلادة فيه، وإنما لقلة الاهتمام بتدريبه وتطوير أدائه وتحسين وضعة المعيشي! نأتي أخيرا إلى الكليات، فللأسف غير المجموع العالي الذي يشترط لدخول هذه الكليات لا يوجد ميزة حقيقية لهؤلاء المتخرجين فيها عن الكليات الأخرى؛ كون مستوى الدراسة والتحصيل والتطبيق في هذه الكليات ما زال يعافر لأجل حصوله على مساحة واهتمام أكبر يواكب العصر وتطوراته أسوة بجامعات العالم.
وعلى جانب آخر ذكر الوزير التحديات المواجهة لهم متمثلة في:
- انتشار الأمراض السارية والمستوطنة مثل الملا ريا والسل والحصبة والاسهالات وأمراض الجهاز التنفسي.
- نسبة الخصوبة والزيادة السكانية.
- محدودية التغطية بالخدمات الصحية.
- محدودية مصادر التمويل وموارد القطاع الصحي.
- قلة الموارد البشرية الفنية.
- غياب التنسيق بين القطاعين العام والخاص.
- التنوع الجغرافي والتجمعات السكانية الكبيرة. (المصدر: صحيفة "26 سبتمبر").
وأمام هذه التحديات الكبيرة والكبيرة جدا، ألا يرى الوزير معي أن الانجازات التي ندعي وجودها.تتلاشى للأسف أمام هذه التحديات التي تعكس وضعا ليس مشرقا البتة للوضع الصحي في اليمن؟ ثم أليس الأجدى أن تركز هذه الوزارة بوزيرها المختار من قبل حاكم منتخب، على إحداث قفزة حقيقية وليس مجرد قفز بهلواني يثير الضحك ولا شيء غيره من خلال اهتمامنا بالكيف والنوعية بدلا من العدد والمظاهر التي لا تعالج أحد، والتركيز على المواطن الذي أصبح يموت ويحيا في هذه البلد بقدر ما يمتلك من المال، وأن القطاع الصحي الذي تتباهى به الحكومة كمنجز ما هو إلا كعمارة أساسها لم يكن سليما فظلت خالية من السكان، مجرد مبنى شاهق ولكنه قريب جدا من الانهيار أو لا فائدة ترجى منه أطلاقا!
فجميع تلك المنجزات التي تتغنى بها الحكومة تفتقد أساسا إلى مراقبة صحية، كما أن تقييم الأداء والخدمات والمستوى الصحي مؤشراته متذبذبة ونحو الخلف للأسف، إلا إذا أردنا إقحام القطاع الخاص الذي اجتاح اليمن مخلفا كارثة صحية هو الآخر من خلال سعيه للربح المادي متبخترا دون خوف من رقابة أو محاسبة!
بالإضافة إلى أن دخل الفرد الذي أصبح التصريح به مخزيا لدولة تدعي دخول القرن الواحد والعشرين متباهية بالديمقراطية والاقتصاد الحر، لهو دخل يعجز عن شراء علاج مرض مزمن أو رقود ليومين في مستشفى مع دفع قيمة العلاجات حتى الإبرة!
إن دخل الإنسان اليمني لهو دليل قاطع على أن الحكومة ما زالت لا تفقه مما تقوله حديثا، وأنها تخطط وتبني وتعمل وتتبجح بالانجازات ولكن في بلد آخر لا نعرفه حاليا وربما ستقرر ذات يوم أن تفاجئنا بالمنجزات التي تدعيها وبأنها أصبحت جاهزة وما علينا سوى أن نحمل أنفسنا دون شيء آخر لننتقل ونسكن ونعيش ونتمتع بوطننا الجديد! لطالما تخيلت هذا الاحتمال كحل أخير لكل ذلك الهراء الذي أسمعه عن المنجزات العظيمة التي لا أراها!
أريد أن أفهم الآن: دخل متدني + وضع صحي غير متقدم + انتشار للأمراض = ماذا، سوى التضحية بالجميع لأجل من لا نعرفهم! هل هناك معادلة أفضل مما كتبت لأفهم ما يحدث حولي؟
ما رأي الوزير أخيرا بحل جديد ومبتكر من عندي؟ أن يمنع السفر إلى الخارج للعلاج نهائيا!! ربما بمثل هذا القرار الغريب والمجنون سيموت الكثير ممن كتبت لهم الحياة على يد أطباء ومستشفيات الخارج, ولكننا بمثل هذا القرار المجنون أيضا سنحول البلد إلى مركب واحدة وجميع من بداخلها متساوون.عندها فقط قد تتحرك الحكومة الرشيدة للأمام مع رؤوس الأموال الكبيرة لدعم هذا القطاع الموجود والمنسي، فالمسألة أصبحت حياة أو موت، وإما أن نغرق معا وإما ننجو معا!
 
* ملاحظة:
"لا علاقة للمقال بشخص الدكتور وزير الصحة، كونه واحد من مجموع. ولا علاقة لما أكتبه الآن بخلافه مع شركة ناتكو للأدوية، فهذا المقال غير مدفوع الأجر أطلاقا". والله من وراء القصد.