أمضى 14 عاماً في اليمن، 4 منها موجهاً في وزارة التربية والتعليم.. بسيوني.. هل كان ضحية إخفاق أمني

- بشير السيد
أمضى «مصعب» وشقيقه الأكبر «اسماعيل» الجمعة الماضي قرابة 12 ساعة رهن التحقيق في غرفتين منفصلتين في مبنى الإدارة العامة لمكافحة الارهاب، بعد مطالبتهما وزارة الداخلية ظهيرة ذات اليوم، بتسليم جثة والدهما «أحمد إسماعيل بسيوني» (63 عاماً) الذي أعلنت السلطات اليمنية خبر مقتله الخميس الماضي إثر اشتباكه مع قوات الأمن أثناء محاولة اعتقاله في الشقة التي يقطنها في حي «الحظائر» غربي العاصمة.
قال مصعب لـ«النداء» ان منتسبي وزارة الداخلية بدوا مرتبكين حال تعريفه وشقيقه بهويتيهما. وأضاف: «أجلسنا الضباط في غرفة الحراسة التابعة للوزارة وكان رنين الهاتف لا يتوقف وزادت تحركات الضباط بالدخول والخروج، وكأن شيئاً خطيراً حدث». بعد ربع ساعة من الانتظار نقل مصعب وشقيقه على متن سيارة هيلوكس إلى مبنى الأدارة العامة لمكافحة الإرهاب في أمانة العاصمة. وقال: «وضعوا اسماعيل في غرفة وأنا في غرفة أخرى وشرعوا في توجيه الأسئلة».
مصعب الإبن الثالث لبسيوني من الزوجة الأولى (مصرية الجنسية)، أكد أن مدير إدارة مكافحة الإرهاب وضباط الإدارة تفاجأوا حين علموا بأن اسرة أحمد بسيوني موجودة في صنعاء.
وتضاعفت علامة المفاجئة حين عرفوا أن أسرة بسيوني تقطن في اليمن منذ نوفمبر 1994م.
وأوضح أنه وشقيقه غادرا مبنى إدارة الإرهاب بعد مضي 12 ساعة تقريباً من الاستجواب المتقطع وبحوزتهم وعد من مدير إدارة مكافحة الإرهاب بمساعدتهم لاستلام جثة والدهم لدفنه.
يتذكر مصعب المرة الأخيرة التي شاهد والده أواخر 2003 في منزلهم بمحافظة عدن: «اتصل الوالد وطلب تجهيز حقيبة ملابسه وبعد نصف ساعة من الاتصال كان على عتبات باب بيتنا ويحمل شنطته قاصداً مكان نجهله».
في مساء الخميس الماضي فتح مصعب قناة «الجزيرة» حمل شريط الأخبار المتحرك خبر مقتل محاسب مصري في صنعاء. قال مصعب: «لم اتخيل ان المحاسب هو والدي» الاعتقاد السائد لدى الاسرة ان بسيوني غادر اليمن. في مساء ذات اليوم استقبل اشقاء مصعب مكالمات عدة من اصدقائهم يسألونهم عما إذا كان احمد بسيوني الذي كانت نشرات الاخبار في كثير من القنوات تنقل خبر مقتله هو والدهم.
حينها قرر الابن الثالث التحري وتوجه إلى المكان الذي قتل فيه المحاسب المصري. «عندما دخلت الشقة كانت مدمرة ووجدت بقايا دهون لحم على جدران إحدى غرفها ودماء على الارض، وبقيت عشر دقائق أبحث عن الدليل المرعب الذي تمنيت أن لا أجده، ثم شاهدت بجامة مليئة بالدماء، كان من السهل التعرف عليها» لطالما شاهد والده قبل 2003 يرتديها. «وفي إحدى الغرف وجدت جهاز راديو فتذكرت شغف الوالد حين كان يضعه بقرب أذنه ويستمع لنشرة الأخبار BBC قبل أن نشتري جهاز تلفزيون في 2001، لقد كانت الدماء دماء أبي المحاسب المصري».
يقطن مصعب الطالب في السنة الثانية محاسبة -الجامعة اليمنية- رفقة والدته وأشقائه اسماعيل، محمد، أحمد سيف الاسلام، وشقيقته الصغرى أمة الله الاسلام في شقة سكنية في منطقة هبرة، بجوار مبنى قيادة الشرطة العسكرية في العاصمة.
«لم نكن نعلم أنه موجود في مكان آخر في اليمن وأنه تزوج من سيدة يمنية وانجب منها فاطمة، 4 سنوات، وعبدالله، سنة». قال مصعب. واضاف أن الزوجة اليمنية لوالده حين التقاها أخبرته بأنها حامل في الشهر الثالث وأن والده قبل مقتله بنصف ساعة أوصاها بأن تسميه «خالد» إن كان ولداً، وأخبرها عن زوجته المصرية وابنائه منها وطلب منها التواصل معهم كما وأوصاها بإصلاح الاضرار التي لحقت بالشقة جراء مداهمة الأمن لها، وقال: «لا أريد أن أزعل أحداً».
طبقاً لرواية الزوجة اليمنية لإبن زوجها مصعب فأنها سمعت طرقات على الباب عند الثانية والنصف مساء الأربعاء الماضي. كان البقال (صاحب دكان) وأخبرها أن رجال الحكومة وعاقل الحارة و مندوب النيابة يريدون: «أحمد مصطفى» الاسم الذي عرف به بسيوني في الحي فأبلغتهم أنه مسافر. فشرعوا محاولين خلع الباب فأبلغت زوجها المتواجد حينها داخل الشقة لكنه طلب منها احضار فانلة نظيفة وثوب نظيف (...) ثم قال لها: «انتبهي للأولاد» واجلسها في الغرفة الداخلية رفقة طفليها. وقالت: «خرج بسيوني إلى الغرفة المواجهة للشارع ثم سمعت إطلاق النار بشكل مخيف».
بعد نصف ساعة عاد بسيوني إلى الداخل وكانت الدماء تسيل من رأسه، طمنها وشرع يمسح الدم ببطانية صغيرة -لحاف ابنه عبدالله- حينها رن جرس تلفون المنزل الارضي فردت الزوجة فكان المتصل ضابط يطلب منها إقناع زوجها بالخروج والاستسلام فأخبرته برفضه وطلبت من الضابط السماح لها وطفليها بمغادرة الشقة لكنه رفض وقال إما أن تخرجا معاً أو تموتي معه في الشقة.
انقطع الصوت في خط الهاتف وبدأت الرصاص ترشق شقة بسيوني بطريقة عنيفة. عند الساعة الثانية عشرة مساءً سمحت قوات الأمن للزوجة أن تغادر الشقة رفقة طفليها. وبعد عشر دقائق من خروجها الى شقة مجاورة سمعت دوي إنفجار قنبلة في المنزل بعدها ابلغوها أن زوجها قتل وأخذت جثته فوق طقم.
هي أخبرت مصعب أن والده عمل مديراً مالياً وإدارياً لشركة حلويات في منطقة مذبح عقب زواجها به ثم محاسباً في جامعة الملكة اروى ثم محاسباً في مصنع تناوير العودي وخرج منه قبل مقتله بشهر ونصف.
لكن مصعب شكك في الرواية الأمنية التي قالت إن والده اشترك في التخطيط للعملية الانتحارية التي استهدفت قافلة سياح اسبان في مأرب منتصف الاسبوع الماضي. وقال: «إن والدي عرف بالمعادي للعمليات التي تقع على اراضي اسلامية. وقال: «كان أبي ينطلق من هذه الاستراتيجية لكونه يعتبر أن الشعوب الإسلامية هي التأييد الحقيقي لجهادهم وأن فقدان هذا التأييد يعني ان نهايتها قربت».
وأكد أن والده جمد نشاطه في جماعة الجهاد منذ 1998، وبعث رسالة إلى أيمن الظواهري حينها ليعفيه من نشاطه في اليمن وقبل طلبه كما أن والده رفض ان ينتقل إلى لندن وافغانستان بحسب رسالة الظواهري له وفضل البقاء في اليمن.

السيرة الذاتية لـ«أحمد اسماعيل بسيوني» على لسان ابنه مصعب
* من مواليد 30 يناير 1956 مدينة طنطا غربي مصر. التحق بكلية الهندسة -معماري ولم يكمل دراسته ثم، بكلية التجارة محاسبة وتخرج منها في 1987.
* تزوج من سيدة مصرية (أم مصعب) وأنجب منها ستة أبناء أكبرهم خديجة ثم اسماعيل، محمد، مصعب، احمد سيف الإسلام، وأمة الله الاسلام.
* انظم إلى جماعة الجهاد المصرية في الثمانينات وسافر إلى افغانستان وهناك تدرب وتأهل وعاد مطلع التسعينيات وشرع في تشكيل خلايا جماعة الجهاد في الاسكندرية.
* في 1991 سافر إلى السودان مع عدد كبير من عناصر الخلايا الذين تمكنوا من الفرار من حملة القوات المصرية التي اعتقلت العديد منهم.
* امضى في السودان عامين وعين خلالها رئيس مجلس شورى جماعة الجهاد وكان أيمن الظواهري أمير الجماعة وتمكنت اسرته من اللحاق به إلى السودان.
* في أواخر 1993 انتقل إلى اليمن ونصب أمير جماعة الجهاد فيها خلفاً لثروت صلاح شحاتة. وفي نوفمبر 1994 لحقته أسرته إلى صنعاء. وبعد مرور عام انتقلوا جميعاً إلى محافظة تعز.
* في ديسمبر 1994 عمل في وزارة التربية والتعليم اليمنية وعين موجهاً مالياً وإدارياً في محافظة لحج.
* ظل من 94-98 ينتقل بين صنعاء مقر جماعة الجهاد وبين لحج مقر عمله وتعز حيث تقطن زوجته وابنائه.
* في 1998 حكمت المحكمة العسكرية المصرية عليه بالسجن 25 عاماً في قضية العائدين من البانيا. وفي ذات العام ارسل إلى أيمن الظواهري رسالة طالبه بإعفائه من مهامه ونشاطه في جماعة الجهاد وقبل طلبه.
* استقال من عمله في وزارة التربية والتعليم في 1999، وعمل محاسباً في مصنع مياه معدنية في محافظة لحج ونقل اسرته للإقامة فيها.
* في 2000-2001 انتقل للعمل محاسباً في الشركة اليمنية للصناعات المعدنية في محافظة عدن ونقل اسرته للإقامة فيها.
* 2002 انتقل للعمل في شركة لأنظمة الاطفاء في ذات المحافظة. كما وعمل محاسباً في شركة استيراد مواد غذائية.
* في أواخر 2003 تقدم بطلب تجديد تصريح عمل وكان حينها معروفاً بـ«احمد سعيد بسيوني» وهناك عرف ان السلطات المصرية ابلغت عن شخص مصري اسمه احمد اسماعيل بسيوني.
* في اليوم التالي غادر منزل اسرته في عدن ولم يعرف إلى أين ذهب. وفي الخامس من هذا الشهر عرفت اسرته أنه قتل في العاصمة إثر اشتباكه مع قوات الأمن عند محاولتها إلقاء القبض عليه كونه مشتبهاً به في التخطيط للعملية الانتحارية التي نفذت منتصف الاسبوع الماضي في مأرب واستهدفت قافلة سياح أسبان.