بين باصرة والدعيس.. من نصدق؟!

بين باصرة والدعيس.. من نصدق؟! - جمال جبران

(1)
هي محاولة للفهم فقط، لا أقل ولا أكثر. هي محاولة هنا والآن لفهم ما استشكل علينا وصار عصياً، نحن الذين لم نعد قادرين على فهم الكيفية التي تسير عليها الأشياء والأمور في هذي البلاد السعيدة.
في مرات كثيرة سابقة، لا عد لها، كنا نكتب عن حالات فساد موثقة وواضحة كشمس ظهيرة، تحدث هنا وهناك. وكنا نعرف مسبقاً أننا نؤذن في المحيط المتجمد الشمالي إذ نعلم جيداً أننا لن نتلقى رداً أو تجاوباً على ما قمنا بكتابته وكشفه. هكذا علمتنا الأيام والتجارب. كنا نكتب فقط كمن يرفع عتباً على الذات التي رأت فساداً ظاهراً فراحت محاولة تغييره ولو عن طريق قلم وكتابة. كنا مكتفين بلا ردهم ولا تجاوبهم في ذات الوقت الذي كنا فيه هانئين بفضحهم وبفضح ما يقومون بفعله من فساد وإفساد.
لكن يبدو أن الحال لم تعد كالسابق إذ تجاوزنه بدرجات لا يمكن تصديقها أو تصور إمكانية حدوثها. صارت تحتاج إلى جهد إضافي من عقولنا حتى تكون قادرة على فهمها.
 في السابق، قلت، كانوا يكتفون بلا اكتراثهم وبلا تجاوبهم مع ماكنا نقوم بفضحه كتابة. الآن يفعلون شيئاً مختلفاً. هو ما يشبه أمر إخراج ألسنتهم في مواجهة ما نقوم بكتابته. كأنهم يسخرون منا ومن كل شيء. كأنهم يقولون: اكتبوا ما شئتم وسنفعل عكسه، سنذهب للجهة المغايرة تماماً. مؤكدين على أهمية تذكيرنا بأننا أعداء الوطن والمنجزات، وبأننا ليس إلا حاقدين وموتورين.
 وهنا الحكاية.
 
(2)
في عددها قبل الفائت نشرت «النداء» خبراً عن إصدار وزير التعليم العالي الدكتور صالح باصرة قراراً قبل ستة أشهر يقضي بإيقاف محمد ناجي الدعيس المستشار الثقافي في سفارة اليمن لدى المملكة الاردنية، وكذا إحالته للتحقيق لتورطه في قضايا فساد. إلا أن اللجنة المكلفة بالتحقيق لم تباشر عملها حتى الآن لعدم استجابة الدعيس للقرار. وهذا بحسب الخبر لأن «الدعيس يتكئ على شخصيات نافذة في أجهزة الدولة تبعث لديه الطمأنينة».
قد يبدو هذا خبراً عادياً لفرط اعتياد حدوثه على جغرافية هذي البلاد، وبفضل النظام السائر عليها حاكماً ومتحكماً أوحد بكل أطرافها. قد يبدو هذا عادياً أو أن تنتهي القضية في أحسن الأحوال للحفظ والأرشفة. علمتنا الأيام والتجارب هذا.
لكن الجديد في الأمر هو ما تقدمنا به عاليه ويقول بأنهم لم يعودوا مكتفين بعدم الرد والتجاوب مع ما يتم فضحه وكشفه من فساد إذ صاروا يسخرون منا، ومما نفعله. لكن وقبل أن أقول بما فعلوه مؤخراً، سأقوم بإيراد عينة بسيطة من المخالفات وحالات الفساد التي قام بارتكابها مستشارنا الثقافي، وذلك بحسب الرسائل الموجهة إليه وإلى سفيرنا في المملكة الأردنية.
 
(3)
في رسالة موقعة من قبل الدكتور صالح باصرة، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بتاريخ 30/8/2006 جاء فيها إشعار للمستشار الثقافي في عمان محمد ناجي الدعيس. ويقول الإشعار بأن لدى الوزارة معلومات أولية حول خروقات قانونية ارتكبت من قبله ومنها: إرسال الدعيس رسالة إلي مركز الاستشارات في الجامعة الاردنية وبتوقيعه كمستشار ثقافي للضغط عليهم لتوقيع اتفاقية من الباطن مع الشركة اليمنية للخدمات الفنية والادارية مقابل تسهيل حصول المركز على عقد إعداد دراسات جامعة عمران، وكذا توقيع اتفاقية من الباطن بين المركز والشركة اليمنية للخدمات الفنية والادارية تحصل بموجبها الشركة على 20٪_ من قيمة عقد الدراسات  وعليه مطالبة مركز الاستشارات من الدعيس بتقديم إيصال استلام مبلغ عشرين ألف دينار من الدفعة الأولى من عقد مشروع جامعة عمران صرف تذاكر لأفراد أسرة الدعيس وأقاربه بطريقة مخالفة للقانون.
وفي ختام الرسالة جاء: «ولكي لا تظلمون فإن الوزارة تقوم باتخاذ الاجراءات المناسبة للتأكد من صحة وثبوت المخالفات السالفة الذكر وغيرها مما لم يذكر».
ولكن يبدو أن المستشار الثقافي محمد ناجي الدعيس لم يقم بفعل شيء له أن يوضح سلامة موقفه وبراءته مما نسب إليه؛ وعليه كان وفوق هذا لزوماً على وزير التعليم العالي إصداره بتاريخ 15/11/2006 قراراً قضىبوقف المستشار الثقافي محمد ناجي الدعيس عن العمل. وأن يحال للتحقيق نظراً للمخالفات المالية والادارية والقانونية المرتكبة أثناء فترة عمله التي كان من المفترض أن تنتهي في يونيو 2008.
وبحسب ذات القرار يتم تكليف محمد عتيق السلامي المستشار الثقافي المساعد للشؤون المالية بالقيام بمهام المستشار الثقافي حتى صدور القرار المناسب، على أن يتم استدعاء محمد ناجي الدعيس للتحقيق معه أمام لجنة يشكلها الوزير، على أن يكون أحد أعضائها من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. وقد تم ابلاغ سعادة السفير حسين طاهر يحيى بالأردن نص القرار في رسالة حملت تاريخ 25/11/2006، ومخبرة إياه بضرورة التكرم والتوجيه بإجراء دور استلام وتسليم أولي بين المستشار الثقافي ومساعده.
 
(4)
وفي توقيت مواز وفي رسالة موقعة من الدكتور باصرة بتاريخ 26/11/2006 موجهة للأخ محمد ناجي الدعيس «المستشار الثقافي بسفارتنا في الاردن والمحال إلى التحقيق» بحسب تقديم الرسالة جاءت فيها توجيهات تقول بضرورة تسليم الدعيس كل ما بعهدته من سيارات ومعدات وأوراق رسمية وأي شيء آخر بعهدته ويخص الملحقية الثقافية في عمان، وتسليمها للمستشار الثقافي المساعد المكلف بالقيام بأعمال المستشار الثقافي. كما طالبت الرسالة الدعيس بضرورة الحضور إلى العاصمة صنعاء في موعد أقصاه الاسبوع الأول من ديسمبر 2006. وحذرت الرسالة المستشار الثقافي المحال للتحقيق من «مغبة التمادي في تحريض بعض الطلاب لخلق مشاكل للسفارة والملحقية و نشر معلومات مغلوطة في بعض مواقع الانترنت» وفي حالة ما استمر الدعيس في هذا العمل فإن الوزارة ستتجاوز التحقيق الداخلي إلى تحقيق عبر النيابة العامة وذلك استناداً إلى صحيفة اتهام تتضمن الآتي:
1 - استخدام المنصب لابتزاز المركز الاستشاري الاردني للحصول على نسبة 20٪_ من قيمة عقد إعداد الدراسات لمشروع جامعة عمران وعبر اتفاقية وقعها أخوكم ابراهيم ناجي الدعيس مع المركز ولدينا صور من كافة الوثائق المتعلقة بهذا الأمر.
2 - الاستحواذ على سيارتين تابعتين للملحقية.
3 - التوجيه بصرف تذاكر لغير الطلاب وعلى خطوط خارج خط (عمّان -صنعاء).
4 - استخدام التلفون التابع للملحقية خلال فترة طلب الاجازة ومكالمات دولية وبعد أوقات الدوام، أو عبر التحويل إلى المنزل وهذه المكالمات لدول ليس لها علاقة بطبيعة عملكم كمستشار ثقافي في عمّان.
5 - إهمال عملكم كمستشار ثقافي في عمّان والانشغال بأعمال أخرى.
6 - تحريضكم لبعض الطلاب للاعتصام بالملحقية بعد مغادرتنا لعمّان، واستغلال قضية طلاب الجوف الثمانية عشر لخلق مشاكل للسفارة والملحقية، وكذا طلاب آخرين اعترفوا للسفارة أن الذي حرضهم هو محمد ناجي الدعيس.
8 - قضايا أخرى.
نتمنى لكم وصولاً سالماً وحميداً وتصرفات عاقلة حتى لا تزيد الطين بلة لأن المصيبة ستقع على رؤوسكم وليس على رأس الوزير أو الوزارة».
 
(5)
كان هذا ملخصاً لما كان من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تجاه ما قالت بأنه مخالفات وتجاوزات قانونية ومالية وإدارية قام بها محمد ناجي الدعيس المستشار الثقافي بسفارة الجمهورية اليمنية بالأردن والتي على أساسها تمت إحالته للتحقيق.
لكنه لم يمتثل للتحقيق كما لم يرد على جملة ما نُسب إليه من أفعال.
إلى هنا، وكما قلنا، يبدو الأمر عادياً ومعتاداً في هذي البلاد التي خبرنا منها وعنها الكثير. لكن الجديد هذه المرة ما يلي:
بعد أن نشرت «النداء» ما نشرته في عددها قبل الفائت  بشأن هذه القضية طالعتنا صحيفة «26سبتمبر» والتي تصدر عن القوات المسلحة اليمنية (دائرة التوجيه المعنوي) طالعتنا في عددها قبل الفائت أيضاً يوم الخميس 24 مايو وعلى صدر صفحتها الأخيرة بخبر مرفق بصورة بارزة لمحمد ناجي الدعيس مستشارنا الثقافي في الأردن يقول في مانشيت ثانوي: «سفارتنا في عمّان أقامت حفل توديع.. أمس» وفي ما نشيت رئيسي «درع لجنة المستشارين الثقافيين بالاردن للدكتور الدعيس». وفي متن الخبر جاء: «أقامت سفارة بلادنا في الأردن أمس حفل غداء وتوديع للأخ الدكتور محمد ناجي الدعيس المستشار الثقافي بالسفار (هكذا كُتبت) بمناسبة انتهاء فترة عمله. من جهة ثانية منحت لجنة المستشارين الثقافيين العرب درع اللجنة ورسالة شكر وتقدير للدكتور الدعيس لأدائه المتميز أثناء فترة عملة». وفي جزء أخير من الخبر ذاته جاء: «وتلقى الدكتور الدعيس من الأستاذ زهدي الخطيب المستشار الثقافي بسفارة دولة الامارات العربية المتحدة في عمان رئيس لجنة المستشارين الثقافيين الأسبق، أعرب فيها عن تهانيه، بمناسبة نيله درجة الدكتوراه في الإدارة التربوية من جامعة دمشق...»، وهكذا نعرف بأن الأخ محمد ناجي الدعيس قدر صار دكتوراً ومن جامعة دمشق وأنه قد نال بسبب هذا جملة من التهاني والتبريكات إضافة لتكريمه «لأدائه المتميز أثناء فترة عمله»!! التي كان من المفترض أن تنتهي في يونيو 2008 بحسب ما جاء في مذكرة باصرة للدعيس.
ولنا، هنا، الحق في أن نتساءل فقط، هذا على الأقل كيما نستطيع الخروج من حيرتنا. لنا الحق في أن نفهم حقيقة الأمر وعلى ما هو عليه بغير ما إدانة لأحد ولا استكثار عليه بسبب نيله شهادة الدكتوراه. لنا الحق في أن نعرف يقيناً أيهما نصدق: وثائق الدكتور باصرة وتقارير وزارته أم ما قرأناه على صفحات 26 سبتمبر؟ بالتأكيد هناك طرف منهما يقف على جانب الصدق في حين وبالضرورة يقف الآخر على الجانب الثاني. هذا بديهي. ولكن من نصدق؟ هل ننتظر توضيحاً ورداً وإجابات لما طرحناه على الرغم من تعودنا على عكس هذا؟ أم نظل على جهالتنا وحيرتنا فيما يخص ما قمنا بسرده هنا؟
ولكن لننتظر هذه المرة علهم يكفوا عن تلذذهم بالسخرية منا. علهم يبقوا ألسنتهم هذه المرة داخل أفواههم ولا يخروجها ساخرين علينا. علهم وعلهم يقوموا هذا المرة، هذه المرة فقط، بالرد والتوضيح.
وإلى حين يتحقق الأمر ليس لنا غير انتهاز هذه الفرصة كيما نتوجه للدكتور محمد ناجي الدعيس بأسمى آيات التهاني والتبريكات لمناسبة حصوله على درجة الدكتوراه في الإدارة التربوية من جامعة دمشق. وهذا أقل ما يمكن فعله.
على الأقل حتى نشعر أن في هذي البلاد شيء ما يتقدم.
jimy