عندما قال باشماخ: الرئيس في صف التجار ولن يضحي بنا

عندما قال باشماخ: الرئيس في صف التجار ولن يضحي بنا - أحمد الزرقة

منذ أعلن التجار وقوفهم مع الرئيس علي عبد الله صالح خلال حملته الانتخابية العام الماضي، وهم يعتقدون، أو بالأصح: متأكدون أنه لم تعد هناك من سلطة عليهم، وأنهم من خلال إطلاق حملة المليار ريال لتمويل الحملة الانتخابية لفخامته،ونجاحهم في إيقاف تنفيذ الحكومة لضريبة المبيعات،وإقصاء البروفيسور سيف العسلي من وزارة المالية بعد أن كان هو الصوت الوحيد المرتفع ضد الغرفة التجارية مناديا بأهمية تطبيق ضريبة المبيعات كشرط أساسي للمضي قدما في عملية الإصلاحات الاقتصادية؛ جعل التجار يضربون عرض الحائط بتصريحات المسؤولين اليمنيين من رئيس الجمهورية مرورا برئيس الوزراء ووزير التجارة إلى أصغر موظف في الجهاز الاداري المختص بضبط الأسعار.
محفوظ سالم باشماخ، رئيس الغرفة التجارية، دعا -ساخرا- المواطنين للتقشف (فعلا “الشابع ما يدري ما مع الجاوع “) ذكرني بالملكة ماري انطوانيت وهي تتساءل عن سبب ثورة الجياع في فرنسا، وقالوا لها: انها بسبب عدم قدرة عامة الشعب على الحصول على خبز، فقالت: “لماذا لا يأكلون جاتوه؟!”.
هناك خيانة يمارسها التجار ضد الوطن وضد الرئيس علي عبد الله صالح وبرنامجه الانتخابي الذي لم يجف بعد، والذي وعد “ بحماية اكبر للمستهلك من خلال: تفعيل الرقابة التموينية والصحية لحماية المستهلك،تطوير وسائل نشر التوعية الاستهلاكية، تطوير التشريعات الكفيلة بتعزيز مبدأ التنافس ومنع الاحتكار وحماية المستهلكـ". هذه الفقرة مأخوذه نصا من البرنامج الانتخابي الاخير للرئيس،الذي قال إنه سيوفر إدارة اقتصادية حديثة تضمن مستوى معيشياً أفضل، وان المواطن بعد انتخاب الرئيس سيكون حرا وسعيداً!!
يربط البسطاء من الناس بسذاجة بين توجيهات الرئيس صالح بالرقابة على الأسعار وضبط
التجار وبين ارتفاعها. حيث يتزامن بشكل غريب توجيه الرئيس للحكومة ووزارة التجارة والصناعة بالحد من ارتفاع الاسعار مع قيام التجار برفع سعر جميع الأسعار الاستهلاكية.
المليار ريال التي ذل بها التجار الشعب وأحرجوا الرئيس تم تعويضها بمليارات الريالات من خلال الجرع التي ينفذونها بعيدا عن الصفة الرسمية، حتى ليبدو وكأن هناك اتفاقا غير معلن بين الحكومة والتجار لتنفيذ زيادة سعرية تعويضا للأموال التي أنفقت خلال الحملة الانتخابية، وتفاديا لاحتمال حدوث موجة احتجاجات شعبية،مثل التي حدثت في يوليو 2005م. هناك دائما مبررات لدى التجار لرفع الأسعار، فمرة بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، ومرة بسبب تغير سعر الصرف. لكنهم لا يراعون في مواطن إلاً ولا ذمة، وهم مع ذلك مستعدون لإشعال الدنيا إذا ما تعرضت مصالحهم لأدنى تهديد. وما قاله شماخ نهاية يناير الماضي يوضح بجلاء تلك الروح التي فيها استقواء بالرئيس ضد ناخبيه الذين منحوه اصواتهم دون أن يقرأوا حتى برنامجه،حيث قال بالحرف الواحد «اذا اراد البعض ان يضع رئيس الجمهورية في مواجهتنا وفي مواجهة الشعب فإننا نقول لهم: خبتم وخاب مسعاكم، نحن لن نفرط بالرئيس مهما كانت الظروف، لو كان الأمر أحيل إلى الرئيس لكان قراره اكثر ايجابية من الحكومة، فهو الذي يلاحظ الحكومة ويرعاها. الرئيس ليس جاهلاً عن الأمور الاقتصادية، وأؤكد انه أكثر الاقتصاديين والأكثر كفاءة، فهو يعرف كل شيء متعلق بالاقتصاد، يكفي انه يتحمل الطواف على جميع انحاء الجمهورية بسيارته، سنرضى بأي قرار أو توجيه سيأتي من قبل فخامة الأخ الرئيس، ونحن معه حرباً وسلماً وأمناً واستقراراً وتنمية، في وجه كل من يريد ان يؤذي اليمن».
حكومة علي محمد مجور تبدو أيضا عاجزة عن كبح جموح الأسعار. الأسبوع قبل الماضي خصصت الحكومة جزءاً من اجتماعها الدوري لمناقشة هذه القضية، لكنها مثل أي مرة تقف عاجزه ومشلولة عن القيام بأي إجراء ضد التجار والمتنفذين. ومع ذلك يقول الخبر الرسمي أن الحكومة ستقوم بعدد من الإجراءات الخاصة بضبط التجار المتلاعبين، ومع ذلك لم نسمع بأي اجراء حقيقي أو تخفيض في السرعة الصاروخية لأسعار السلع، رغيف الخبز يكاد ينقرض، الزبادي بدأ في الاختفاء من المائدة اليمنية بعد أن كان صديقا لليمنيين فترة طويلة من الزمن،الحليب ومعظم السلع ارتفعت بنسبة 70%. ذلك الارتفاع المخيف لم يرافقه ارتفاع في الرواتب والأجور.
 التاجر ورجل الأعمال توفيق الخامري أطلق صرخة مدوية، لكن يبدو أنها لم تلفت انتباه احد، عندما اتهم الحكومة وكبار التجار بـ"تهديد الأمن الغذائي لليمن، وان ارتفاع الاسعار جنوني وغير منطقي، وأن الحكومة تعلم أن في مخازن كبار التجار ما يكفي لعدة أشهر اشتريت بالأسعار العالمية القديمة"، وبالتالي ليس هناك ما يبرر الارتفاع اليومي للاسعار.
لكن يبدو أن الأمور تسير باتجاه تحول براميل القمامة إلى جزء من الثقافة اليومية، حيث يلاحظ ارتفاع نسبة الأطفال والنساء الذين أصبحوا من مرتادي صناديق القمامة بشكل يومي بحثا عما يسد رمقهم. هل من تقشف أكثر من هذا يا تجار اليمن!؟
محمد قحطان (كثر الله خيره) "حانبـ" عند سعر البيضة، الذي اصبح ضعف سعر الدجاجة الى وقت يذكره الكثيرون. اللقاء المشترك على الرغم من أنه ائتلاف معارضة موجود في الشارع واعضاؤه متضررون ويفترض به أن يضع قضية الغلاء في قائمة اهتماماته، لكنه يؤذن في مالطا، ويقتصر دوره على التشكيك فيما تعلنه الحكومة عن التزامها بتثبيت الأسعار (هذه هي المعارضة الحقيقية!!) منهمكا في الخوض في تفاصيل غالبا ما تكون خارج اهتمام المواطن البسيط.
تخلت الدولة عن دعم السلع الأساسية، "بدعوى تحرير السوق، وكسر الاحتكار"، لكن السوق لم يتحرر ولم يكسر إلا ظهر المواطن.
في العالم أجمع، حتى في الدول القمعية والبوليسية، تعد لقمة العيش وسعر الخبز خطاً أحمر، وإلا ماذا سيبقي من دور للدولة؟! وهنا الجيش يحارب في صعدة وأسر الجنود تعاني الفاقة، ولم يعد كرتون الفول والدبة الزيت تكفي لأسبوع، وراتب الجندي لا يكفي لمدة اسبوع. على التجار أن يظهروا قدرا أكبر من المسؤولية،وأن يتوقفوا عن لعب دور مصاصي الدماء، وأن يكفوا عن التباكي بأنهم ضحايا، وليقفوا ولو لمرة واحدة إلى جانب الوطن، وليتقوا الله في أقوات الناس، وليحذروا من يوم الغضب الأعظم ومن ثورة الجياع، وهو يوم لا أظنه ببعيد. وهنا يحضرني قول الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري عندما قال: "عجبا لمن لا يجد قوت يومه أن لا يخرج على الناس شاهراً سيفه!".
alzorqa