نبش الموتى

نبش الموتى - محمد الغباري

آخر أدوات الحكم لمواجة الاحتجاجات المتنامية في المحافظات الجنوبية والشرقية هي قبور الموتى من ضحايا الصراع السياسي، وتحديداً احداث 13 يناير 1986 وإحياء مسميات الطغمة والزمرة، بدلاً من معالجة الفظائع التي ارتكبت بحق أبناء تلك المحافظات منذ حرب صيف 1994.
تشكيل لجنة باسم المفقودين والشهداء في محافظة أبين، بغرض مواجهة ابناء الضالع تحت لافتة المطالبة بحقوق الشهداء والكشف عن مصير المفقودين في تلك الأحواش، الغرض الواضح منها هو تأجيج الصراع بين أبناء المحافظتين وليس إغلاق ملف قضية إنسانية لا تخص الدولة التي كان يحكمها الحزب الاشتراكي فقط، ولا ينبغي ان توظف سياسياً لأن هناك ضحايا ومفقودين في الدولة التي كان الرئيس علي عبدالله صالح يحكمها قبل الوحدة.
الحديث عن ضحايا الصراع السياسي وفتح ملفات المفقودين يتطلب البعد عن التوظيف السياسي او الممارسات الشطرية والتلويح بمحاكمة قادة الدولة التي كانت تحكم في جنوب البلاد. لأن مثل هذا الفعل يسيء لهؤلاء الضحايا ويظهر مدى الجنون الذي وصل إليه القائمون على الأمر، فمن يحاكم الآخر!؟
الأمر ذاته فيما يخص التعامل مع قضايا المتقاعدين العسكريين والامنيين وقضية البسط على الأراضي، فإذا اعتقد الحكم أن نشر أسماء آلاف في الصحف الحكومية والقول أن المشكلة قد حلت بنسبة تصل إلى 96٪_، تكذبه الحقائق على الأرض، فلم يعد مطلوباً من الجندي أن يأتي من الضالع أو شبوة لكي يتسلم عشرين الف ريال من صنعاء، في حين أن تكاليف الذهاب والعودة إلى المحافظة تقارب هذا المبلغ الحقير الذي يسمى راتباً، كما أن تجميع الناس بالآلاف داخل حوش معسكر التدريب بمختلف الرتب بدون أن يكون هناك اعتبار لرتبهم العسكرية ولا يتسلمون وظائف تليق بالمكانة التي كانوا عليها قبل تسريحهم، نوع من العبث وسيزيد من حجم المشكلة ويفاقمها.
المسألة لا تحتاج إلى عبقرية في الفكر ولا استدعاء الصراعات القديمة ونبش جثث الموتى، ولكنها تحتاج إلى مصداقية في التناول وجدية في المعالجات.
 إذا ما أقدم الرئيس على إعادة البيت المصادر من نائبه السابق علي سالم البيض الذي شاركه التوقيع على قيام الجمهورية اليمنية، وإذا أعاد منشأة جحيف ومحيط معسكر سبأ في البريقة، فإنه بذلك سيكون قد خطا اول خطوة في الاتجاه الصحيح.
إذا نزع الرئيس من كبار قادة الجيش والمشايخ والمسؤولين الاراضي التي صرفت لهم لمجرد أن أراضي عدن ولحج تركتها دولة الاشتراكي ملكاً للدولة, فإن الناس سيصدقون أن هناك جدية في المعالجة والاعتراف بالمشكلة القائمة اليوم.
إذا ما تجرأ الرئيس وعاقب المسؤولين عن استباحة الاراضي وتسريح الناس من وظائفهم, فإنه بذلك سيعيد لمواطنيه الثقة بحكمه, وسيكون في غنى عن لجان نبش القبور وتحريك خزينة البنك المركزي، واذا لم يفعل فإن كل القبور والملفات ستفتح والخزينة ستنضب، لكن نيران الغضب وطغيان الفقر ستشتعل في أكثر من مكان وتلتهم الأخضر واليابس.
malghobariMail