قضايا تقتل الصحافة

قضايا تقتل الصحافة - غمدان اليوسفي

فجأة وبدون مبررات تغرق بعض الصحف الأسبوعية في قضايا تسخر من قضايا الناس اليومية، تنشر في قضايا لاتهم أحداً غير قناعات فردية أو جهات لاتأبه لوجود ملايين الناس يبحثون عن قرص دواء وكسرة عيش.
ذات حين كان الزملاء في صحيفة "الوحدوي" يمثلون أمام المحاكم بتهمة الإساءة للعلاقات اليمنية السعودية. وحكم حينها بالسجن على رئيس التحرير، ثم بعد سنوات تكتظ صحف أخرى بالشتائم والكتابات عن السعودية تشعر المرء وكأن حربا بين البلدين تدور رحاها على الحدود! لكن وزارة الإعلام هذه المرة وكأنها لاترى.
ما ألعن السياسة! ربما أن مانشر حينها في "الوحدوي"، وكذلك في صحيفة "الشورى" في وقت لاحق لايقارن بنزر يسير مما ينشر حالياً في بعض الصحف.
هل شبعت وزارة الإعلام من الملاحقات أم أن العصر عصر التكنولوجيا وملاحقة الانترنت والموبايل؟
لا أطالب بان يسجن الزملاء الصحفيون، لكن أشياء واضحة للعيان أصبحت تثير الشكوك لأن الأمر لم يعد تناولة هنا أو هناك، بل أصبح وكأنه يسير ضمن حملة منظمة ومدفوعة سلفاً، وهنا يصبح الحديث عنها ضرورة أخلاقية من باب التذكير بالمهنة وأخلاقها على الأقل.
من يقوم بزيارة إلى أي من المستشفيات -الحكومية بالدرجة الأولى- في العاصمة صنعاء يشاهد مناظر لايحتملها الضمير، لكن أيا من هذه الصحف لم تكلف نفسها حتى بزيارة إلى تلك الأماكن لتدرك أنها لاتستحق أن تمنح ترخيصا؛ الصحافة خلقت للناس، ومتابعة همومهم اليومية وليس البحث عن إسقاط أنظمة في دول لاتهمهم وتمثل مصدرا لعيش ملايين من الناس في وطن تطحنه المآسي ولاتأبه لها تلك الصحف.
هي السياسة اللعينة، التي تجعل الكثيرين مرتهنين لمواقف لاتهم سوى صناعها، وتشتري منهم مايمكن أن يقدم للبسطاء حلولا لقضايا أكلت قوتهم وعمرهم.
أكبر في هذه الصحيفة صمود الزملاء المحررين فيها.. إنهم يعملون على قضايا الناس بدمائهم ويرفضون الشتائم والبحث عن مواقف لاتخصهم، ويعجبني فيها أنها لاتتناول غير قضايا هذا البلد، لأن الناس مقتنعون ربما بأن في الداخل آلاف القضايا التي تبحث عن من يطرحها لتجد طريقها.
قضية كالمعسرين يقوم بمتابعتها شاب لم ينه دراسته في كلية الإعلام بعد، وتسانده صحيفة تلاحقها ديون المطابع وإعسار المحررين فيها... علي الضبيبي وصحيفة "النداء" ينجحان في إخراج عدد كبير من السجناء المعسرين وخلفهما رئيس تحرير، صحفي يعرف لماذا تصدر صحيفة في الأساس؟ وفي الميدان مئات الصحف ومئات المنظمات التي (تلهف) باسم الناس ملايين الدولارات لكنها لم تزر سجناً أو مشفى.
لسنا بحاجة لأن نقرأ عن قضايا السعودية أو إيران أو إسقاط الولايات المتحدة، نحن بحاجة إلى البحث عن الناس ليجدونا، نحن ألسنتهم وعيونهم، فلماذا تعمى أعيننا عن مشاكلهم؟ هناك أرياف يشعر الصحفي حين يزورها بأنه بحاجة إلى أن يقدم استقالته من مهنة ظهرت لأجلهم، مدن تكتظ بالسيارات الفارهة.. والمباني الزاهية وقرى تلاحق قطرات الماء في رؤوس الجبال وقيعان الوديان، وتبحث عن كيس قمح أصبح ذهبا في عيون ملايين من البشر.
هل مازلنا بحاجة لأن نكتب عن دولة ضاقت شوارعها بالمتسللين إليها هربا من الفقر؟! أليس الأجدى أن نكتب عن بلد دفع بمئات الآلاف من شباب هذا البلد إلى حدود مرعبة الظروف والأجواء؟! هي بلدنا من جعلتهم كذلك... لنعد النظر إذا وننظر ماذا نريد من صحفنا؟
[email protected]